يَشهَد عَالَم الطَّيران بِاسْتمْرار حديث عن التَّجْديد والتَّطْوير . أَحادِيث تُرافقهَا أَبحَاث مُعَمقَة وتجارب مُضْنِية تَسعَى لِمسْتقْبل أَكثَر إِبْهارًا لِوسيلة النَّقْل الأكْثر أمانًا فِي العالم .
وَفِي سبيل اَلوُصول إِلى هدف التَّغَلُّب على مُشكلَات الطَّيران الحاليَّة وأبْرزهَا رُبمَا اَلكُلفة التَّشْغيليَّة المرْتفعة ، والاسْتهْلاك اَلكبِير لِلطَّاقة ، تَبتَكِر كُبْريَات الشَّركات المصنَّعة لِمحرِّكات الطَّائرات وهياكلهَا نَماذِج أَولِية كثيرًا مَا كَانَت وَاعِدة وَحتَّى حَالِمة.
لَكِنهَا مع ذَلِك لَم تَتَجاوَز تِلْك المرْحلة بَعْد على الأقلِّ ، لَكِن طَائِرة جَدِيدَة بِمواصفات رَائِعة وَتصمِيم فريد تَجَاوزَت مَرْحَلة الاخْتبارات وحلَّقتْ فِي رِحْلتِهَا اَلأُولى بِشَكل مَا فكيْف حدث ذَلِك ؟ وهل هِي تُشكِّل بِالْفِعْل ثَورَة طائرَات المسْتقْبل ؟
فكم مِن مَرَّة راودتْنَا فِكْرَة السَّفر لِلْفضَاء الخارجيِّ واسْتكْشاف المجَرَّة اَلتِي عليْهَا كوْكبنَا ، والْهبوط على القمر أو السَّفر والاسْتيطان فِي المرِّيخ ، لَطَالمَا كان حُلْمًا رَاوَد البشر مُنْذ أُولَى رِحْلَات اَلخُروج مِن الأرْض ورغْم عَشَرات المهمَّات الفاشلة . وُصولا إِلى مَا يفْعله أَيلُون مَاسِك وشركَته المخْتصَّة فِي الفضَاء سِبَيس إِكْس .
مَا زال اَلفُضول يَسكُن أَبنَاء كَوكبِنا ومَا زال غُمُوض الفضَاء وَسكُونه وأسْرَار الكوْن الواسع اَلتِي لَم تَتَكشَّف بَعْد تَحرُّك أَحلَام الصِّغَار وَتشعِل طَوْق الكبَار .
لَكِن وَلأَن تَسيِير رِحْلَات مَفتُوحة نَحْو الفضَاء مَا زال أمْرًا بعيد المنَال على مَا يَبدُو ، فَإِن طَيَران التِّجاريَّة دَاخِل هَذِه الأرْض الواسعة هُو النُّسْخة الأقْرب والْأكْثر وَاقعِية لِتلْبِية شغفنَا بِالاكْتشاف والارْتحال والتَّحْليق .
دائمًا مَا تَسعَى وتحاول شركات الطَّيران وعمالقة صِناعة الطَّائرات إِلى تَطوِير وَعَصرنَة وَسِيلَة النَّقْل الأسْرع والْأكْثر أمانًا فِي العالم حاليًّا . وَجَعلهَا أَسرَع أَامِن وأكْبر وأكْثر توْفيرًا لِلطَّاقة وحماية لِلْبيئة . أيُّ شَكْل أو بِآخر ، مُنَاسبَة لِلْمسْتقْبل بِشَتى الطُّرق والْوسائل .
إِحْدى هَذِه المحاولات الواعدة تقودهَا شَركَة الطَّيران الهولنْديَّة كِيالَام KLM Royal Dutch Airlines بِالتَّعاون مع بَاحثِين فِي جَامِعة دَلفَة Delft لِلتِّكْنولوجْيَا الهولنْديَّة . إِذ نَجحُوا فِي تَطوِير نَمُوذَج جديد وفريد لِطائِرة مُسْتقْبليَّة مُوَفرَة ومقْتصدة لِلطَّاقة .
يُمْكِن لِهَذه الطَّائرة المسْتقْبليَّة أنَّ تَحمُّل الرُّكَّاب والْبضائع وخزَّانات الوقود فِي هَيكَل جناحيْهَا .
فِلايْنج فِي Flying – V طَائِرة مُسْتقْبليَّة مُختلفَة مِن حَيْث الشَّكْل وَآلِية التَّشْغيل ، حَيْث تَمكَّن الباحثون أخيرًا بَعْد سِلْسلة مِن التَّجارب مِن إِجرَاء أَوَّل رِحْلَة نَاجِحة لِنموذجهَا اَلأُولى اَلمُصغر بِقياس ثَلاثَة ( 03 ) أَمتَار واثْنَيْنِ وَعشرِين ونصْف ( 22.5 ) كِيلو جِرامًا مِن خِلَال التَّحَكُّم بِهَا عن بُعْد كالطَّائرات المسيرة . حَيْث وَصلَت سُرعَة الطَّائرة إِلى ثَمانِين ( 80 ) كِيلو مِتْرًا فِي السَّاعة .
هَاذَا وقد أَعلَن الباحثون أنَّ فِلايْنج فِي Flying – V أو طَائِرة المسْتقْبل كمَا يُسمُّونهَا خَضعَت لِاخْتبار تَحلِيق نَاجِح مِن قِبل فريق مِن الباحثين والْمهنْدسين فِي قَاعِدة جَويَّة بِألْمانْيَا ، حَيْث تعاونوا مع فريق مِن شَركَة ايرْبَاس فِي اِختِبار إِمْكاناتهَا المخْتلفة . وَمِنهَا الإقْلاع والْمناورات والْهبوط . بَعْد أن عَملُوا على تَشغِيل هَذِه طَائِرة عن بُعْد وَتعدِيل مَركَز جاذبيَّتهَا وزواياهَا وَدفعِها مِن الأرْض.
إِنَّ تَصمِيم الطَّائرة اَلحدِيث والْمنْفرد جاء على شَكْل حَرْف فِي V . بِحَيث تَتَمركَز مَقصُورة الرُّكَّاب الرَّئيسيَّة وَحُجرَة الشَّحْن وخزَّانات الوقود فِي الأجْنحة . ويتوَقَّع الخبراء أن يُسَاهِم هذَا الشَّكْل الدِّيناميكيِّ اَلمُحصن لِلطَّائرة بِالْإضافة إِلى وزْنهَا المنْخفض . فِي التَّقْليل مِن اِسْتهْلاك الوقود بِنسْبة عِشْرين ( 20 ) فِي اَلمِئة . مُقَارنَة بِطائرات اليوْم .
كمَا أنَّ فِكْرَة إِجلَاس الرُّكَّاب دَاخِل الأجْنحة الضَّخْمة سيمكِّنهَا مِن تَوفِير مِساحَات أَرحَب لِلْمقاعد فضْلا عن خَفْض الأسْعار الغالية لِتذاكر السَّفر . وَالتِي تَكُون مَرهُونة بِالْكلْفة التَّشْغيليَّة لِلطَّائرة ومقْدَار اِسْتهْلاكهَا لِلْوقود .
وَبِحسَب شركات تَحالُف سِكَاي تِيم يُمْكِن مُقَارنَة طائرَات المسْتقْبل فِلايْنج فِي Flying – V بِالطَّائرة الأكْثر تقدُّمًا حاليًّا وَهِي الايرْباس آي ثَرِي فَيفتِي A 350 . فَعلَى الرَّغْم مِن أنَّ الطَّائرة فِلايْنج فِي Flying – V اَلتِي يَبلُغ طُولهَا خَمسَة وَخمسِين ( 55 ) مِتْرًا وَهِي لَيسَت بِطول آي ثَرِي فَيفتِي A 350 إِلَّا أنَّ كِلاهمَا يَمتَلِك جناحَيْنِ بِنَفس الطُّول خَمسَة وستِّين ( 65 ) مِتْرًا .
مِمَّا سيسْمح لَهَا بِسهولة اِسْتخْدام البنْية التَّحْتيَّة الموْجودة حاليًّا فِي المطارات على غِرَار البوَّابات والْمدارج . وستلائم الطَّائرة المسْتقْبليَّة فِلايْنج فِي Flying – V حَظائِر طائرَات أيِّ ثَرِي فَيفتِي A 350.
بِالْإضافة إِلى ذَلِك ستتمَكَّن فِلايْنج فِي Flying – V مِن حَمْل عدد الرُّكَّاب نَفسِه اَلذِي تَحمِله أيُّ ثَرِي فَيفتِي A 350 . البالغ ثلاثمائة وَأَربعَة عشر ( 314 ) مُسافِرًا فِي التَّكْوين القياسيِّ اَلمُكون مِن فِئتيْنِ . وحجْم الحمولة نفْسهَا أيْضًا أيْ مِائَة وستِّين ( 160 ) مِتْرًا مُكَعبا .
وَبمَا أنَّ فِلايْنج فِي Flying – V سَيكُون حَجمُها أَصغَر بِكثير مِن حَجْم أيِّ ثَرِي فَيفتِي A 350 ، فَهذَا سَيكُون فِي صَالحِها كمَا أنَّ المقاومة الدِّيناميكيَّة لِلْهوائيَّة سَتكُون أقلَّ نِسْبيًّا .
وبناء على المعْلومات المتوفِّرة مِن قِبل الباحثين فَإِن تَشغِيل الطَّائرة سَيتِم بِمحرِّكات التَّرْبوفان الأكْثر كَفاءَة فِي اِسْتهْلاك الوقود . وَالتِي لََا تَزَال تَعتَمِد على الكيروسين بِتصْميمهَا الحاليِّ . لَكِن حسب الخبراء يُمْكِن تكْييفهَا بِسهولة لِلاسْتفادة مِن الابْتكارات فِي نِظَام الدَّفْع . حَيْث يُمْكِن على سبيل المثَال اِسْتخْدام المحرِّكات النَّفَّاثة المعزَّزة كهْربائيًّا .
يُوفِّر المفْهوم أيْضًا لِلْباحثين فُرصَة فَرِيدَة لِتعْزِيز تَجرِبة الرُّكَّاب على مَتْن الطَّائرات مِن ترْتيبات اَلجُلوس فِي الأجْنحة ، إِلى تَصمِيم المقاعد والْحمَّامات . على أن يَكُون كُلُّ شَيْء خفيفًا قَدْر الإمْكان مِن أَجْل زِيادة كَفاءَة الشَّكْل اَلجدِيد لِطائرات المسْتقْبل .
يَا تُرَى فَمتَى سيتسَنَّى لَنَا ونسْتطيع كركَّاب عاديِّين فِي الدَّرَجة السِّياحيَّة السَّفر عَبْر هَذِه الطَّائرات اَلتِي قد تُوفِّر مَقْعَدا أَكثَر رَاحَة وَأقَل سِعْرًا .